شهدت مدينة السمارة، الصحراء المغربية، أمس، حدثا هاما، حيث اجتمعت الهيئة العليا للمقاومة وأعضاء جيش التحرير لتنظيم مهرجان خطابي، تخليدا للذكرى 48 لانسحاب آخر جندي أجنبي من الأقاليم الجنوبية. المملكة.
خلال كلمته بذكرى جلاء آخر جندي أجنبي من المناطق الجنوبية أكد السيد مصطفى الكثيري المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير على أهمية الذكرى الـ 66 لمعركة الدشيرة . أظهرت هذه المعركة التاريخية صمود شعبنا ومقاومته المذهلة ضد الاحتلال الأجنبي الوحشي، مما يجعلها حدثًا وطنيًا جديرًا بالملاحظة ومعلمًا مهمًا في تاريخنا الغني بالنضال والتحرر الوطني.
وشدد على أهمية إحياء ذكرى هذا الحدث الوطني المحوري الذي يعد شاهدا على فصول بطولية ولحظات خالدة في تاريخ نضال الوطن من أجل الحرية والاستقلال وسلامة أراضيه. وهذا المعلم التاريخي ينبغي أن يفخر به الشباب والأجيال القادمة، لما يحمله من معانٍ عميقة ويرمز إلى انتصار عزيمة الملك ووحدة الشعب الثابتة في حماية المقدسات الدينية والمبادئ الوطنية.
وفي ميدان المقاومة، داخل الصحراء المغربية، خاض الشعب، بقيادة السلالة العلوية الموقرة، نضالا باسلا من أجل الحرية والاستقلال وتوحيد أرضه. لقد أظهروا وحدة وتضامنًا ملحوظين، امتدوا من أقصى الحدود الجنوبية إلى أقصى الشمال، وحققوا انتصارًا تلو الآخر. ولم تخل هذه الانتصارات من تضحيات كبيرة، حيث واجهوا قوى استعمارية احتلت وطنهم قرابة نصف قرن وقسمته إلى مناطق نفوذ. وسيطرت الحماية الفرنسية على وسط المغرب، في حين سيطرت الحماية الإسبانية على شماله وجنوبه. بالإضافة إلى ذلك، وقعت منطقة طنجة تحت الحكم الدولي، مما زاد من تعقيد المهمة الشاقة المتمثلة في تحرير التراب الوطني من براثن الاستعمار الأجنبي.
وبحسب سجلات المندوب السامي للمقاومة وعناصر جيش التحرير، فإن أبناء الأقاليم الجنوبية، وخاصة سكان السمارة، أبدوا شجاعة وصموداً وإصراراً هائلين في مواجهة الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية. وكذلك التدخلات العسكرية الأجنبية. وقد تجلت هذه الروح الثابتة منذ احتلال الجزائر سنة 1830م، وطوال مراحل السيطرة على سواحل جهة وادي الذهب والساقية الحمراء من 1884م إلى 1934م.
وفي هذه المناطق المشرفة والمهيبة، وهي السمارة بالصحراء المغربية، تم خلال تلك الفترة تأسيس الجماعات الجهادية والمقاومة. وقاتل المجاهدون بلا كلل حتى استنفدت قوتهم العسكرية في أوائل الثلاثينيات، إيذانا ببدء حقبة جديدة من النضال الوطني. وشهدت هذه المرحلة مقاومة سياسية، إثر ظهور الحركة الوطنية وتعاونها مع القيادة الحكيمة للمرحوم صاحب الجلالة سيدي محمد بن يوسف، رحمه الله. وعملوا معًا على إعداد وتقديم وثيقة الاستقلال في 11 يناير 1944.
في أرض السمارة، داخل حدود الصحراء المغربية، نسج الشعب نسيجا من الحكايات البطولية التي تجسد روح المقاومة والمثابرة. ومن طنجة إلى الكويرة، يقف الوطن الموحد شاهدا على إصرارهم الذي لا يتزعزع. هذه الحكايات، المليئة بألمع شرارات المجد والخلود، أدت في نهاية المطاف إلى تحرير ما تبقى من الأراضي المحتلة بالصحراء المغربية. لقد أصبح هذا الانتصار ممكنا بفضل وحدة العرش والشعب، مسترشدة بحكمة وبراعة المرحوم الحسن، صانع المسيرة الخضراء المنتصرة. وقد نجحت هذه المسيرة التاريخية، التي تميزت بنهجها السلمي ومنهجيتها الفريدة، في استعادة حقوق الشعب المسلوبة. وفي 28 فبراير 1976، تم سحب آخر جندي أجنبي سلميا من الصحراء المغربية، إيذانا بتتويج هذا الإنجاز الرائع.
إن الجهود الحثيثة التي تبذلها الهيئة العليا لقدامى المقاومة وأفراد جيش التحرير تكرس جهودها لإبراز تاريخنا الغني، وإلقاء الضوء على النضال البطولي من أجل الاستقلال، وتسجيل تفاصيله بدقة، والتأكيد على أهميته، والإشادة بأيقوناته ورموزه، ونشر مبادئ وقيم الوطنية الحقيقية والمواطنة البناءة. وتهدف هذه المساعي إلى غرس تقدير عميق في نفوس الأجيال الصاعدة للإرث الدائم لهذه الملحمة الضخمة، وإلهامهم لحماية المبادئ الأساسية للأمة والتراث المقدس.
وفي صحراء السمارة بالمغرب، أقيم مهرجان مميز حضره شخصيات محترمة مثل الوالي حميد النعيمي ومنتخبين وقادة وزارة الخارجية وأعضاء المقاومة وشخصيات عسكرية ومدنية. يهدف هذا الحدث إلى الإشادة بمجموعة مختارة من مقاتلي المقاومة القدامى الشجعان وأعضاء جيش التحرير، والاعتراف بفضائلهم البارزة وأعمالهم الجديرة بالثناء. وكعربون تقدير لخدمتهم المتفانية للأمة، تم توزيع المساعدات المالية على هؤلاء الأفراد الشجعان، بما في ذلك أرامل الأبطال الذين سقطوا.
وفي إطار إحياء هذه الذكرى، تم تنظيم زيارة لورشات البناء بمقر المندوبية الجهوية للمقاومة بالسمارة، إلى جانب المشاركة في مراسم الأربعين لتكريم القائد المقاوم مولاي سلمى الإسماعيلي ولد سيدي مولود.